أول ما تحتاجه الأسرة ، التقدم الفكرى الذى يؤدى إلى ترتيب الأولويات.
عالم اليوم ، عالم مادى أثّر تأثيراً قوياً و مباشراً على طريقة الناس فى التفكير، حتى أصبح الإحساس العام، أن أفضل الناس أغناهم و أكثرهم دخلاً.
ذلك الإتجاه المادى، هو حجر العثرة على طريق الكثيرين من الآباء و الأمهات فى هذه الأيام، حيث تصبح رسالتهم الأولى التدعيم المادى للأسرة:
قد يؤجلون إنجاب الأبناء ، حتى تتحسن الموارد، قد يعمل كل من الزوج و الزوجة و يجرى و يلهث ليلاً و نهاراً، و قد........
لا اعتراض على مواجهة الواقع و التخطيط باعتدال، و منطق سليم ، و تفكير متزن، فى تقدير لكافة المسؤليات مجتمعة.
أصبح الإحساس العام أن الحياة العائلية ، مال و إنفاق، و تغطية سخية، للاحتياجات المادية، و تقدم هذا الفكر باقى المسئوليات، و صار يُمثّل الأهمية الأولى التى خلال التفانى لتحقيقها، تضيع باقى الاهتمامات و المسئوليات.
أصبحت الأسرة الرغيف والغذاء، والقميص و الحذاء، والأكوام من لعب الأطفال بكافة العينات و المقاسات، مما قد يضر أو على الأقل لا يحقق أغراضاً تعليمية و تربوية، ولا يؤدى إلى تنمية قدرات أو مهارات، بينما
"... ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من الله". لو 4:4
قد يسعى الوالدان ، السعى المجهد المضنى ، ويحرمون أنفسهم ليقدموا للأبناء أقصى ما يمكن، لكن تبقى الأفواه مفتوحة لاتسد، و تبرم بما يقدم، و التهام دون شبع، فى عدم اكتفاء و تزايد للجشع،.....
ذلك لأن الأولويات تبدلت، وضاعت الحقائق، فالشبع عملية نفسية و روحية. قد يلبس الأبناء أفخم و أعظم الماركات، فى تقليد للآخرين، و سعى وراء المظاهر، و فى تعويض نفسى عن عقد و رواسب قديمة، أما الطريق للعظمة الحقيقية و التقدم، فيختلف عن ذلك كليةً.
و برغم ما يسود العالم من التعب و التمزق النفسى، الذى تنعكس آثاره على الأسرة و على المجتمع الإنسانى، لم تزل تظهر لمحات نيّرة مشرقة.
تتلألأ أسر و تبدو قوية مضيئة، بما حققت من ترابط و حب و تعاون، فى مفهوم روحى أصيل، و بما وصل إليه أبناؤنا من نجاح وتقدم؛ حصلوا على أعلى الدرجات العلمية، و شغلوا الكثير من المناصب القيادية، و قدموا ما لم يسبقهم إليه أحد، فى مجال العلم و البحث، و بذلوا الكثير لأجل الكنيسة و المجتمع و الإنسانية.
قد يبدو غريباً أن ينشأ أولئك فى أسر فقيرة معدمة، تسعى من أجل قوتها اليومى فى كفاح شديد.
لكن بالشبع الداخلى، والاتكال على الله، والثقة بالنفس، شقوا طريقهم، وإلتحقوا بمعاهد و جامعات على أعلى المستويات، لم يتيسر للأبناء الذين عاشوا وفى أفواههم ملاعق من ذهب، أن ياتحقوا بأى منها.
صور لا حصر لها، لأبناء من أسر معدمة، و من دول فقيرة، حققوا بجدارة وسط معاناة الحياة، ما لم يقدر على تحقيق القدر البسيط منه، من توفرت لهم كافة الإمكانات المادية.
مفارقات عجيبة، تكشف عن تأثير التربية و أهميتها:
> تحاول أن تعبر الطريق، و تقف متردداً عند موقع مرور المشاة، وإذا بشاب مهذب يقف بسيارته، ويشير لك و ينتظر حتى تعبر، بينما يراك آخر، فيزيد من سرعته ويمضى فى طريقه، غير مهتم بك.
> تقف لتدخل أو تخرج من الباب ، فى مكان عام يزدحم بالداخلين و الخارجين، فيدفعك شاب بقوة ويأخذ دورك، وهو يصطدم بك و يعرضك للسقوط، و يمضى بسرعة مهرولاً، بينما يتقدم آخر ويتنازل لك عن دوره، ويفتح الباب أمامك، و يقدمك على نفسه.
فوارق شاسعة فى الشخصيات، دلالة على أن السلوك الشخصى للفرد، هو نتاج العملية التربوية.
لو عرف كل واحد دوره و قام به، و ترابط الوالدان فى وحدة، و قدم كل منهما التنازلات، وواجه المسئوليات، وتزود بالمعرفة، لتحققت الأهداف.
لو جلس أى من الأب أو الأم، يفكر فى هدوء، و مر بخاطره مثل هذه المواقف، التى اجتازها شباب ممن يعرفهم:
شاب ارتبط ارتباطاً خاطئاً، وترك الدراسة من أجل نزواته.
شابة أغويت، وفى بساطة و عدم دراية، انحرفت و ضاعت.
فتى أو فتاة، جرّب بعض ما يتداوله زملاء، فأدمن.
فماذا تكون المشاعر، الانفعالات،......؟
لابد أن يتحرك مسرعاً، على طريق البذل، تحقيقاً للتكامل والنمو الأسرى، من أجل الأبناء.
الأب والأم هما فريق العمل فى البيت، يجمعهما الحب، و توجههما وحدة الهدف، و عملهما بناء الأبناء؛ لاتتوقف رسالتهما على تربية الأبناء فى قوة جسدية و معنوية، ونضج اجتماعى، لكنها تكتمل بتمليك الرب على الكيان.
العلاقة بين الأب و الأم، ليست تسلسلاً وظيفياً؛ رئيس مجلس للشئون الخارجية، و نائب رئيس للشئون الداخلية.
إنها رسالة مشتركة، لاتتحقق إلا بالوحدة، " القلب الواحد ".
كلما تقارب الزوجان، وإختفىأحدهما فى الآخر، ليس عن ضعف، لكن عن حب وفى تنازل، بعطية النعمة السماوية، سهلت مهمة التربية، والقيام بالدور على أروع ما يكون.
يحققا منتهى التلاقى فى تعمق، يأخذ كل منهما مما للآخر، و يعطيه مما له.
يذكر كل منهما ما للآخر من فضائل ومحاسن، وينسى مافيه من مساوئ بعين بسيطة نقية، وفى سمو الهدف.
قد يختلف الزوجان-و ذلك طبيعى- فكثيراً ما يختلف الإنسان مع ذاته، حين تتضارب أفكاره و يقع فى حيرة، لكنه لايكره نفسه.
حين يختلف الزوجان، فلابد أن يوجد طريق للتفاهم، يؤدى إلى التقارب والتلاقى، و يحقق الوحدة.
قد توجد بين الزوجين خلافات-فى طريقة التفكير وأسلوب التعبير، والقدرة على الأداء-لكن عندما يبحث كل منهما بدقة، عما فى الآخر من صفات طيبة و مميزات، يُفتح فى داخل الفكر وعمق القلب طريق، طريق للبناء.
*هل تؤمن-تؤمنين-بإمكانية التغيير فى حياة الفرد؟
*هل ترى ضرورة لذلك فى حياتك؟
*هل تظن أنك أفضل من الآخرين، وليس لديك عيوب أو أحطاء؟
*هل ترى شيئاً من أخطائك الشخصية ؛ و هل تقر بوجودها؟
*هل أنت مستعد لمواجهة ما فيك من عيوب و أخطاء؟
*هل تثق أن العيوب الشخصية ، ممكن التحرر منها و إصلاحها؟
*هل تقبل التوجيه، أم أن الكبرياء الشخصى يمنعك من ذلك؟
*هل تعلم أن الحياة الأسرية، تقوم و تبنى على ما يقدم من تنازلات؟
*ماذا قدمت لبناء بيتك من تنازلات؟
*هل أصبح زوجك-زوجتك-يمثل كل شئ فى حياتك؟
*هل ينشغل قلبك بالأبوة-الأمومة-فى إحساس بالمسئولية؟
*هل أنت على استعداد لبذل الجهد ، من أجل إنجاح الأبناء؟
............ ......... ......... ......... ......... ......... ....
الإجابة الدقيقة الأمينة، على ما تقدم من أسئلة، واستمرار مراجعة النفس عليها،
تهيئ الزوجين، للتفاهم و التقارب، للتلاقى و الوحدة.
معيناً من أجل بناء البيت و تكامله، حتى يحقق السير على طريق النمو.
+ حين تتغير طريقة التفكير، فيرتفع الفرد عن الصغائر، فى تقدير سليم لأبعاد الأمور و نتائجها.
+ حين يأخذ كل واحد من قلب الرب اتساعاً لقلبه، و من حبه حباً، فيتطهر القلب من كل ما قد يشينه من ماديات أو انفعالات، أو تطلعات لا تبنى.
+حين يعرف الفرد ماعليه من مسئولية تجاه أبنائه، ويقوم بدوره فى كمال مسيحى.
+حين يبدأ كل واحد بنفسه، و يدرك أن مايراه من ضعفات فى الآخرين، قد يكون اسقاطاً لضعفاته هو.
+ بما يمكن أداؤه من أجلهم.
+ بكافة الظروف المحيطة بهم.
يتحقق ذلك النمو بتمليك الرب على البيت، فى إحساس بالوجود الإلهى، حين يركع الزوجان و بينهما الأبناء؛ و حين يركعان فى مخدعهما على إنفراد، فى أمانة تحقق كشف الداخل بالتمام بين يدى الله.
يدعوك حتى تمد يدك، و تقيم من حولك-ابنتك، ابنك-و تدفعه بحبك، تشجع النجاح، و تعالج مواطن الضعف.
الكتابة عن الأسرة حقل واسع مترامى الأطراف، فيما يخص الوالدين، و ما يخص الأبناء، و ظروف كل على انفراد ، أو مجتمعين.
............ ......... ......... ......... ......... ......... ........
قد يتعرض هذا الكتاب، و يلمس من زوايا خاصة، بعض نقاط وردت فيما سبق من كتب- سلسلتى علامات على طريق المسئولية الوالدية، و الدفء الأسرى.
كما يثرى الكتاب ما اقتطف و قدم من عبارات و خبرات غنية بالحب "للأم تريزا".
+ لقد عاهدت الرب، أن أكرّس ما بقى لى من أيام ، و بالوزنة التى وهبتها، لخدمة الأسرة-أباء و أمهات و أبناء- و تقديم من المعرفة و الخبرة، ما يحقق إصالة يبنى عليها البيت، حتى تسير الحياة طبيعية قوية.
إن أقصى رغبة لكاتب- بعد كل ما يبذل من جهد- لا أن ينال تحية، بل أن يحس فاعلية ما فى الكتاب من كلمات، وإلا تحول بجملته إلى كمية من الورق الراقد على أحد الرفوف فى المكتبة، بين كتب عديدة.
طريق الأبوة طريق طويل و شاق، لكنه ممتع و مثمر، لو ضغطنا على ذواتنا، و التزمنا المسار، ووجدنا فيما بين أيدينا من كلمات، و فى نعمة الرب، معيناً للتقدم بأنفسنا و أبنائنا، فى جو من الجهاد المملوء بالفرح.
دياكون مهندسشوقى توفيق