(متى 21:1) \"فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ\".
(لوقا 21:2) \"وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ\".
توجد أهمية كبرى للأسماء، في القراءات التي استمعنا إليها اليوم، أريد أن أذكركم بواحدة من أعظم آيات الإنجيل المقدس المتعلقة بولادة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وهي ما قرأناه في (متى 21:1) \"فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ\". وهذه الكلمات التي نطق بها الملاك في الحُلم للقديس بولس، سبق وأن أعلنها للقديسة المطوّبة والمباركة مريم العذراء عندما قال لها وقت بشارتها في (لوقا 31:1) \"وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ\". وفعلاً عندما ولد الطفل نقرأ في (متى 25:1) أنه دعي باسم يسوع كما سبق وتسمّى من الملاك قبل أن حُبِلَ فيه.
نلاحظ من قراءتنا لهذه الآيات من الإنجيل المقدس الأهمية الكبرى التي أعطيت لاسم الطفل المولود، وهو اسم يسوع، وقد تكرر الأمر عدة مرات نظراً للأهمية القصوى للاسم... والسؤال هو: لماذا؟ أجل: لماذا التشديد الواضح والبارز على الاسم؟ وهل للاسم أية دلالة أو رسالة أو قيمة...
في حياة البشر اليومية والعادية، نجد أن الأسماء لها أهمية كبرى، والواقع أن أجمل وأهم كلمة يسمعها الإنسان العادي في علاقاته اليومية مع البشر هي اسمه، فالإنسان يحب سماع اسمه ينطق على شفاه الناس، ويكون للاسم نغمة ورنة مميزة لصاحبه، لدرجة أن معظم التجار الناجحين في مهنهم يستخدمون اسم الزبون مراراً وتكراراً، مما يفرح قلبه ويشجعه وبالتالي على الشراء.
إذا تصفحنا سجلات التاريخ، نجد زخماً في الأسماء المهمة التي أثر أصحابها في سيرة التاريخ البشري: مثل أسماء الإسكندر الأكبر، وأغسطس قيصر وسقراط وبوذا وكولومبس ونابليون وصلاح الدين وللوثر ولينين وجورج واشنطن وتشرشل وهتلر وجمال عبد الناصر ونلسون مانديلا وجورج بوش وأسامة بن لادن. أصحاب هذه الأسماء برزوا في سيرة الزمن وسجلت أسماؤهم في كتب التاريخ، وبعضهم أضاء الطريق أمام جماهير من الناس لفترة معينة، وبعضهم سبب الكوارث لغيره ولشعبه، ولكنهم جميعاً ماتوا أو في طريقهم إلى الموت، وتركوا وراءهم ظلمة أكثر من الظلمة التي سادت أيامهم.
أجل أيها الأخوة: ملايين من الأسماء اختفت في طريقها إلى الزوال، وأسماء كثيرة سجلت في كتب التاريخ المكدّسة على رفوف المكتبات، والأسماء التي نصفق لها الآن سيتم نسيانها في الغد. فالأسماء تأتي وتذهب تاركة ظلمة روحية قاتلة.
حتى أسماء رجال الله القديسين أمثال إبراهيم ونوح وداود وسليمان وأشعياء وإرمياء ودانيال وبطرس الرسول وبولس الرسول ويوحنا الرسول، هؤلاء الرجال الذين يستحقون أن يطلق عليهم أبطال الإيمان جاءوا ثم ماتوا، ولم يستطيعوا أن يحرروا العالم من المشكلة القديمة الجديدة التي تواجه كل إنسان في الوجود، وهي مشكلة الخطية وعقابها. صحيح أن رجال الله أدركوا وجود المشكلة، ولكنهم أقرّوا وشهدوا وكتبوا بوحي من الله أن الشخص الوحيد والفريد القادر أن يحل مشكلة العالم هو شخص ربنا وفادينا يسوع المسيح.
نعم أيها الأحباء: لقد دشن الله سيرة التاريخ من جديد قبل أكثر من ألفي عام في دراما سماوية أرضية خالدة، وذلك عندما أعلن ملاك الرب للقديسة مريم العذراء ومن ثم للقديس يوسف، أن طفلاً سيولد من دون زرع بشر، وأن اسمه سيكون يسوع، هذا الاسم الرائع والفريد والمجيد والجليل والمقدس: أجل إن اسم يسوع هو أعظم اسم قد أعطي بين الناس، كما نقرأ في الكتاب المقدس، أنه لم ولن يظهر اسم في عظمة وجلال معنى اسم يسوع.
يسوع اسم في أصله يعني: الرب خلاصي أو الرب يخلص، ومعنى الاسم يجسد حقيقة المسيح المولود من العذراء. أجل اسمه يسوع، هذا الاسم الكامل المليء بالحق والقداسة والجمال. هذا الاسم الذي لا يمكن تكراره أو هزيمته أو نسيانه. اسم يسوع فيه قوة واستمرارية وخلود، فهو اسم أبدي، لأنه اسم رب الجنود، اسمٌ لم يقدر الصليب أن يقتله، ولم يقدر القبر أن يحتفظ به، ولم يقدر الشيطان أن يهزمه ولا تستطيع كل عوامل الزمن العاتية أن تمحوه، مهما كثرت أسباب الشر والخطية، ومهما قويت ديانات الناس، ومهما تعددت العقائد والفلسفات، فاسم يسوع سيبقى خالاً أبد الدهر.
شعوب تأتي وتذهب، أنظمة حكم تتسلط وتسقط، وقادة عظام يحكمون العالم ثم يموتون، أما اسم الرب يسوع فإنه يبقى أبد الدهر، لأنه اسم ملك الملوك ورب الأرباب ومخلص العالم الوحيد. أجل إن ملكوت المسيح أبدي، واسمه أبدي.
أيها الأصدقاء: توجد قوة في اسم الرب ولم ولن يظهر قبل اسم يسوع في قوته ومعانيه على مدى التاريخ: فاسم يسوع يعني الخلاص من الخطية وعقابها لكل إنسان في الوجود. اسم يسوع يعني الشفاء لكل مريض. اسم يسوع يعني القيامة للموتى، اسم يسوع يعني الفرح للبائسين والمكتئبين. اسم يسوع يعني الرجاء للفاشلين والمحطمين. اسم يسوع يعني السعادة للمتألمين والحزانى... اسم يسوع يعني الحياة الأبدية لكل من يتوب عن خطاياه ويطلب من كل قلبه أن يطهره الله من بدم المسيح من كل خطية.
ما أعظم اسمك يا رب يسوع، ومع ذلك ما أسهل وأبسط هذا الاسم: يسوع، مجرد أربعة حروف ولكن في اجتماعها معاً تذكرنا باسم ملك ورب المجد، تذكرنا باسم الله الذي ترك عرش السماء وجاء إلى عالمنا الشرير بصورة عبد وخادم، وولد في إسطبل، ووضع في مذود بدلاً من أن يولد في قصر أو يوضع في سريرٍ من ذهب. اسم يسوع يشبع النفس والروح، فقد قال له المجد في (يوحنا 14:14) \"إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ\". اسم يسوع هو اسم عذبٌ ورخيمٌ وحلوٌ وجميل، وكم من نفوس فرحت وتهللت لسماع هذا الاسم المجيد. اسم يسوع يبعث الدفء في النفوس والقوة في الجسد، فنقرأ مثلاً في (أعمال الرسل 6:3) قول بطرس الرسول لرجلٍ أعرج من بطن أمه: \"بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ\". وثب الرجل ووقف على رجليه وصار يمشي مسبحاً الله.
اسم يسوع في نظر العالم الخاطئ والشرير يستخدم للتعبير وحُجَّة لاضطهاد المؤمنين والسّخرية بهم: نقرأ في (يوحنا 19:19) أن الوالي الروماني بيلاطس \"كَتَبَ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوباً: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ»\". كذلك نقرأ في (سفر أعمال الرسل 40:5) أن رجال الدين اليهود \"جلدوا الرسل وَأَوْصُوهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ\". وللأسف الشديد، فإن هذا الأمر لم يتغير حتى يومنا هذا: فالعالم يتحدث عن الرسل والأنبياء والقديسين، وعند حديثهم عن الرب يسوع يقولون عنه السيد المسيح، ويتحاشون النطق باسمه يسوع، وإن حدث وقال أحد المؤمنين أن اسم المسيح هو الرب يسوع له المجد، فإن عبارات السخرية وحتى التجديف تنطلق بسرعة من الشفاه، معبرة عما في القلوب من شر وخطيّة.
في ذكر اسم الرب يسوع توجد قوة لدمار قوى الشيطان والخطية والأرواح الشريرة. اسم يسوع هو الاسم الأعظم في الوجود: صحيح أن للرب يسوع أسماء كثيرة مثل: الله والرب والمخلص والراعي الصالح والبداية والنهاية والأول والآخر ويهوه وملك الملوك ورب الأرباب وابن داود، ولكن أعظم اسم للمسيح هو اسم يسوع كما نقرأ في (فيلبي 9:2-11) \"لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ\".
كذلك في اسم يسوع، وفي اسمه فقط يوجد خلاص وحياة أبدية. نقرأ في (سفر أعمال الرسل 12:4) \"وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ\". وهذا تماماً ما قاله الملاك للقديس يوسف: \"وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ\". (متى 21:1).
أجل أيها الأحباء: لا يوجد مخلص للبشرية إلا الرب يسوع المسيح، ومهما بحث الإنسان عن الخلاص في ديانات العالم أو فلسفات العالم أو عقائد العالم فالنتيجة ستكون الفشل والضياع، أما في شخص الرب يسوع فلنا الخلاص كل الخلاص، هذا هو اسمه وهذه هي رسالة الميلاد.
والسؤال هو: ماذا يعني أن يسوع هو المخلص، وما هو الخلاص؟
في الواقع أن الموضوع الجوهري في الإنجيل هو الخلاص، أي التخلص من الخطية ومن عقاب الخطية، فكما يتخلص المديون من دينه ومن الغرامة على هذا الدين، وكما يتحرر السجين من سجنه ومن العقاب المفروض عليه. فالخلاص يعني تحرير الإنسان من قيد العبودية للخطية ولسيد الخطية إبليس. كما أن يسوع هو رب الخلاص كذلك فإن إبليس هو رب الخطية وسببها، وبالتالي فالخلاص يعني هزيمة الشيطان وأعماله والانتصار على الخطية بكل أشكالها.
لو سألنا أنفسنا: ما هو أهم شيء يجب أن نعرفه ونحتفل به في عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح؟ فالجواب ببساطة هو أنه علينا أن نعرف أن المسيح ولد بسببنا. فنحن سبب العيد، نحن سبب مجيء الله إلى عالمنا الشرير، نحن الخطاة الذين نستحق العقاب والموت ودينونة الله الأبدية في جهنم النار. أجل جاء الرب يسوع إلى عالمنا لأنه يحبنا بالرغم من كل خطايانا. جاء ليقول لنا: أنا أحبكم حتى الموت، موت الصليب. فأعظم صور المحبة تتجلّى عندما يقدم المحبوب حياته من أجل من يحبهم، ولأن الله محبة، فإن الرب يسوع قدّم حياته للتكفير عن خطايانا. فنحن الأشرار الذين نستحق الموت، ولكنه مات ليفدينا وليخلصنا من الخطية وعقابها، وليعطينا الحياة الأبدية.
الخلاص ليس منا، بل من الرب. والخلاص ظهر في مكانٍ واحدٍ فقط، وهذا المكان هو صليب الجلجثة عندما سُفِكَ دم الرب يسوع المسيح من أجلنا. الخلاص عمل عظيم وهو متاح لكل من يدعو باسم الرب، كما هو مكتوب في الإنجيل المقدس: \"أن كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ\". (أعمال 21:2، رومية 13:10، يوئيل 32:2).
الخلاص عمل إيجابي عظيم وهو طريق صحيح وصحّي للحياة. فعندما يحصل الإنسان على الخلاص من الخطية المسيطرة على حياته، فإنه يصبح إنساناً جديداً. ويعطي الرب يسوع لمن يُخَلَّصْ طعماً جديداً للحياة، وتتغير صورتنا أمام الله. كذلك عندما يصبح بمقدوره أن يحب جميع الناس، حتى الذين تصعب محبتهم. كذلك يحررنا الخلاص من قوة الخطية ونصبح أحراراً لنعمل ما يريده الله والامتناع عن الخطية. وفي الخلاص تتغير طريقة حياتنا وأسلوب تفكيرنا ويصبح لوجودنا معنى ونعيش من أجل رسالة محددة في الحياة. فلا نعود مجرد جثث متحركة بلا هدف، بل يصبح لنا هدف ونسعى بقوة لإعلان مجد الله. الخلاص يعني التحرر من الإدمان بكل أشكاله: الإدمان على الشتائم، واللعنات، والحلفان، والإدمان على الخمر أو غيره، والإدمان على مشاهدة الباطل. الخلاص يعني التحرر من الكآبة والفشل وروح الهزيمة، الخلاص يعني شفاء الأسرة والإشباع بين الزوج والزوجة... الخلاص يعني بكل بساطة: السعادة في الحياة والفرح بنعمة الرب الغنية.
وأخيراً: الخلاص متاح لكل إنسان في الوجود، وبغض النظر عن الدين والطائفة واللغة واللون والجنس والثقافة والتعليم والسن. أجل إن ربنا يسوع يريد اليوم أن يخلص كل واحد منا، ولكن لن ولن ولن يخلص أي إنسان في الوجود بدون عمل شيئين رئيسيين:
1. إن الرب يسوع لا يخلص إلا الذين يثقون به وحده لأجل خلاصهم. فالذي يثق بأعماله الصالحة أو الذي يثق بإنسان أو بفكره أو بعقيدة لن ينال الخلاص. أما الذي يثق بأن الرب يسوع هو المخلص الوحيد فإنه حتماً ينال الخلاص.
2. الرب يسوع لا يخلص إلا الذين يعترفون بخطاياهم ويطلبون من الله أن يطهرهم بدم المسيح. فمن يفكر بنفسه أنه صالح وبار، فلن ينال الخلاص، علماً بأن الكتاب المقدس يعلن الحق بصراحة وهو أن \"الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ\". (رومية 23:3) فليس إنسان يعيش إلا ويخطئ أمام الرب بأفكاره ونظراته وكلماته وأعماله وضعف أو قلة إيمانه وكذلك بتقصيره وإهماله. فكلنا خطاة، ولكن لا يمكننا أن ننال خلاص الله المجاني إلا باعترافنا بخطايانا، وبالتوبة عن هذه الخطايا والطلب بالصلاة من الرب يسوع أن يطهرنا من كل خطية...
إخوتي الأحبة: إن أردتم أن تفرحوا حقاً في عيد الميلاد، أدعوكم باسم الرب يسوع أن تقبلوا خلاص الرب يسوع الذي ولد من أجلكم، وصلاتي الآن أن كل من لم يقبل المسيح رباً لحياته حتى هذه اللحظة أن يصلي معي ويقبل الخلاص وينال الحياة الأبدية. آمين.
صلاة الخلاص: يا رب يسوع... أعترف أمامك بأنني إنسان خاطئ... لذلك أرجوك أن تغفر لي... وأن تطهرني بدمك الطاهر الذي سفك على الصليب. أرجوك أن تقويني بالروح القدس... حتى أستطيع أن أعيش حياة البر والتقوى ولا أعود إلى الخطية. أشكرك لأنك استجبت لي وخلصتني. باسم يسوع. آمين.
بقلم القس: بسام بنورة