وقفت “أستير” الطفلة الصغيرة التي كانت تواظب على حضور مدرسة الأحد وقراءة الإنجيل منذ نعومة أظافرها - كما كُتب عن تيموثاوس «وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (2تيموثاوس3: 15) - وقفت مع أبيها على محطة القطار في انتظار أحد الأقارب قادمًا من بعيد. وأثناء انتظار القطار، مرَّ رجلُ مربوط “بالكلبشات” في يديه مع البوليس. فسألت أستير أبيها: “بابا.. لماذا هذا الرجل مربوط هكذا؟”.
فردّ الأب: “لأنه مجرم”.
سألت أستير الأب مرة أخرى: “يعني إيه مجرم يا بابا؟”.
فقال الأب: “يعني إنسان متهم، إنسان شرير، ربما يكون قاتل أو لص أو تاجر مخدرات أو معتدي أو إرهابي”.
تركت أستير يد أبيها، وبسرعة، وببراءة الأطفال ذهبت إلي الرجل المربوط “بالكلبشات”، وقالت له بصوت رقيق هادئ محب: “يا عم يا مجرم.. يسوع بيحبّك”.
انتهرها الرجل، وظل يصرخ في وجهها ويشتمها. ولكن أستير كرَّرت العبارة نفسها: “يا عم يا مجرم، يسوع بيحبك”، عدة مرات. ورجعت مرة أخرى بين يدي أبيها.
ولما سألها أبوها عما فعلته، قالت له أستير: “تعلّمت في مدرسة الأحد أن الرب يسوع لا يحب الأبرار اللطفاء فقط، لكنه أيضًا يحب المجرمين الأشرار، فأردت أن أخبره بهذا الخبر السار: أن الرب يسوع يحبّه ولا سيما وهو في هذه الحالة الصعبة”.
انتهت رحلة السجين، وبينما هو في الزنزانة يتذكَّر كل ماضيه التعيس وما فعله به البشر وما فعله هو بالبشر، أخذ يردِّد: “كل الناس خائنين، كما أني أنا أيضا خائن. لا أحد يحبني، لا أحد يهتم بي، ولا يوجد شيء في الحياة يستحق الحياة.. الحياة كلها ظلام وانتقام، لا يوجد أي نور أو سلام أو محبة في هذه الحياة الرديئه”.
وبينما هو يندب حظه العاثر، شاعرًا بالذنب الشديد، وبالرغبة الجامحة في انتقاد الآخرين، فجأة، وفي ظلام الليل والوحدة والسجن، دوى صوت الطفلة التي تحدّثت إليه على المحطة أثناء ترحيله، ودوى في داخله بصوتٍ عالٍ جدًا هَزّ كل كِيانه، الكلام الذي قالته أستير: “يا عم يا مجرم، يسوع يحبك. يا عم يا مجرم، يسوع يحبك”.
وبينما هو يتلذذ بتكرار هذه العبارة في داخله، تذكر كل ما سمعه عن المسيح في صباه في مدرسة الأحد؛ عن حياة المسيح ومعجزاته وحنانه وصليبه وموته وقيامته وظهوره للتلاميذ. وعندها صرخ بصوت عظيم من أعماق قلبه: “يا يسوع، يا من تحب إنسانًا مجرمًا نظيري، أظهر ذاتك لي!”.
وإذ بنور سماوي ينير ظلمة نفسه، وسلام الله الذي يفوق كل عقل يغمر أعماقه. فطلب الكتاب المقدس، الذي صار رفيقه طوال فتره سجنه، يوضِّح له كيف أن الرب يسوع يحبه وسيظل يرعاه.
صديقي القاريء العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة، إن محبة الناس متغيّرة؛ أما محبة المسيح فهي ثابته كثباته. اسمعه، بروح النبوة يتكلم عن جراحاته التي هي دليل حبه لي ولك: «فَيَسْأَلَهُ: مَا هَذِهِ الْجُرُوحُ فِي يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِيَ الَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي» (زكريا13: 6).
صلاة: يا من تحب حتى المجرمين والخطاة الآثمين.. اقبلني أيها الصديق الأمين.. واغسلني بدمك الثمين.. لأشهد عنك اليوم وأفرح بك لأبد الآبدين.. آمين