الفقرات التالية بعض ما جاء عن الأنبا ساويرس أبن المقفع فى مقالة بعنوان " مصر القديمة - ابن المقفع مؤرخ الكنيسة في العصر الإسلامي " بقلم الباحث التاريخى / جمال بدوي فى جريدة الأخبار بتاريخ 15/11/2006 م السنة 55 العدد 17026
المؤرخ القبطي 'ساويرس بن المقفع' الذي عاصر الخليفة الفاطمي المعزلدين الله ، واشتهر بكتابة 'تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية، وكان أسقفا للاشمونيين التي تقع بين المنيا واسيوط، والف كثيرا في الشئون الدينية، مثل كتاب 'طب الحقن وشفا الحزن' وكتاب 'التبليغ' في الرد علي اليهود، وكتاب الرد علي سعيد بن البطريق المؤرخ الملكاني، وكتاب 'التوحيد' وكتاب 'الاتحاد'، وكتاب اختلاف الفرق وكتاب السير.
أما أشهر كتبه 'تاريخ الاباء البطاركة': فقد نشر المستشرق 'ايفتسي' عدة اجزاء منه في باريس سنة 1907 ثم تولت جمعية الاثار القبطية بمصر نشر الاجزاء الباقية من هذا الكتاب بمعاونة الاستاذ يسي عبدالمسيح، والاستاد برمستر، والدكتورعزيز سوريال عطية، وكان عنوانه: تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية المعروف بسير البيعة المقدسة. وهو يروي تاريخ البطاركة في مصر من ايام ظهور المسيحية علي عهد الامبراطور الروماني او كتافيوس أغسطس، الي عهد الخليفة الفاطمي الآمر باحكام الله سنة 1092م '496ه'
تاريخ العصر الاسلامي
في كتاب 'تراث القاهرة العلمي والفني في العصر الاسلامي' عقد الدكتور عبدالرحمن زكي فصلا عن كتاب ساويرس، وقال انه يتعرض من خلال سرد سير البطاركة لتاريخ العصر الاسلامي خلال فترة تقترب من خمسة قرون، وهي الفترة التي شهدت ميلاد امة، واتساع فتوحات، وتوحيد شعوب وقيام حضارة زاهرة خلفت للانسانية تراثا مجيدا، فهو بين لنا كيف تم فتح مصر علي يد العرب، ثم كيف كانت معاملتهم للاقباط من النواحي الدينية والاجتماعية والادارية والمالية، فيفصل الكلام علي الاحداث السياسية والدينية والاقتصادية الهامة التي حدثت في عصر الولاه العرب، وفي ايام الطولونيين والاخشيديين، ثم قيام الخلافة الفاطمية في مصر، كذلك يبين لنا علاقة هؤلاء البطاركة بولاة مصر وامرائها وخلفائها من ناحية، ثم علاقة هؤلاء البطاركة بالنوبة والحبشة وشمال افريقيا والشام من ناحية اخري.
الصليبيون اعداء وغزاة
وحين يحدثنا ساويرس عن الحملات الصليبية، فانه لا يعتبر هذه الحروب حربا بين الاسلام والمسيحية، وانما ينظر الي الصليبيين كغزاة اعداء، ويعلق علي امتلاكهم لبيت المقدس بان الاقباط لن يستطيعوا الحج، لاختلافهم عن مذهب الصليبيين.
مخطوطة ساويرس
وقد ظهرت حديثا دراسة عن مخطوطة الاسقف ساويرس بن المقفع، قام علي تحقيقها الاستاذ عبد العزيز جمال الدين.وقد مهد لها بفصل عن حكم البطالمة في مصر، ثم تبدأ المخطوطة بمقدمة تاريخية عن 'قصة السيد المسيح'، وسيرة القديس مرقص واستشهاده، وتراجم للبطاركة الاوائل حتي البطرك رقم '38' وهو بنيامين الذي عاصر الفتح الاسلامي لمصر، ويبدو من التراجم التي وضعها ساويرس انها كانت بمثابة حوليات للكنيسة المصرية، ودفاعا عنها ضد المذاهب المخالفة داخليا وخارجيا.
وقد اشار ساويرس الي الرخاء في مصر، كما فصل الكلام عن القحط والمجاعات والاوبئة في بعض السنين، وينفرد ساويرس عن غيره من المؤرخين بذكر بعض المجاعات التي لم يرد ذكرها عند غيره، ويشترك مع بقية المؤرخين في ذكر جميع الاحداث الهامة علي غرار المؤرخين المصريين مسلمين كانوا او مسيحيين. ويمتاز عنهم جميعا بان كتابه له قيمة الحوليات والمذكرات والمصادر المعاصرة، في وقت نتلمس فيه المصادر التي عاصرت الفتح العربي لمصر، وما بعده بحوالي قرنين ونصف، فلا نكاد نجدها الا في بعض البرديات، وكتاب التاريخ' لأسقف نقيوس المؤرخ يوحنا. وقد عرضنا هذا الكتاب منذ بضعة اسابيع.
ثورات المصريين
وتحدثت المخطوطة عن الثورات التي قام بها المصريون، واضخمها ثورة البشمور التي انتهت بحضور الخليفة المأمون واخماد الثورة، ونعرف مما كتبه ساويرس انه كانت هناك مساجلات دينية في بلاط الخليفة الفاطمي المعز لدين الله للمناظرة والتحدث في الاديان السماوية الثلاثة، والمفاضلة بينهما، وكان ساويرس نفسه ممن جادل شيوخ المسلمين واحبار اليهود في بلاد المعز.
ويصف عبدالعزيزجمال الدين مخطوطة ابن المقفع بانها اكبر المخطوطات من حيث الفترة التاريخية التي تغطيها، ومع ذلك فان معظم مؤرخي مصر يتجاهلونها بسبب ندرتها بين يدي الباحثين، وبسبب ظن من يسمعون عنها بانها تاريخ للكنيسة المصرية فقط غير مدركين للرصد التاريخي الهام لوقائع مصر العديدة التي تترصدهاهذه المخطوطة الهامة، كما يذكرانها صححت بعض المعلومات التي اوردها المؤرخون عن المجاعات التي تعرضت لها مصر، فقد ذكروا عن الشدة التي وقعت في عصرالخليفة الفاطمي المستنصر بالله ان سببها يرجع الي انخفاض النيل ، ولكن ساويرس يعزوها الي الفوضي التي اندلعت في القاهرة بين الجند السودانيين والاتراك والمغاربة، ونتج عنها خضوع الاسكندرية للجند التركي تساعدهم قبائل المغاربة حتي انهم ملكوا الدلتا واصبحوا يستولون علي خراج الارض وانفردوا بالزراعة بينما اهملت الترع والمصارف وامتنعوا عن بيع الغلات الي الناس، فحدثت المجاعة.