نيافة الأنبا موسى
تهدف الخدمة إلى:
1- أن يقبل الجميع إلى التوبة.
2- أن ينمو التائب روحياً ويتخلص من السلبيات فى حياته.
3- أن يكتسب الإنسان فضائل روحية، وتظهر فى حياته اليومية ثمار الروح القدس.
4- أن يتحول هذا التائب، المجاهد روحياً، إلى خادم، يجتذب النفوس إلى الحظيرة المقدسة.
التوبة :
وهى الصحوة الروحية، التى فيها يتحرك الإنسان، بوعى كامل، وإصرار ثابت، من منطقة الخطيئة والتعدى، إلى حضن المسيح، وحياة الكنيسة.
والتوبة فى كنيستنا الأرثوذكسية، وبحسب المفهوم الكتابى،يجب أن تشتمل على:
الندم على الخطيئة، من كل القلب، بحيث يشعر التائب أن ما عاشه نوع الموت الروحى، والانفصال عن الله، والتدبير المستمر للكيان الإنسانى، فالخطيئة - بالقطع- تدمر الروح الإنسانية، إذ تحرمها من نسيم الروح القدس، وفرحة الرضا الإلهى، وتجعل الروح فى حالة مجاعة خطيرة، تؤدى إلى المزيد من التردى فى وحل الآثام.
كما أن الخطيئة تدمر الذهن، فالعقل المنشغل بالآثام، يستحيل أن يكون قادراً على التركيز والإنتاج، كما لا يمكن أن يكون مستنيراً بنور الله، قادراً على الإفراز والتمييز، وعلى اختيار القرار السليم، والخطوة الصائبة.
كذلك تدمر الخطيئة النفس، فالنفس الآثمة تكون دائماً مرتبكة ومنفلتة وغير متماسكة، فاقد للسلام والسعادة "لا سلام، قال الرب للأشرار" (أش 22:48) بينما تكون النفس التائبة، المنضبطة بالروح، والمقدس بالنعمة، قادرة على قمع تيارات الإثم العاملة فى الداخل والخارج معاً، إذ تسيطر بقوة الروح القدس على غرائزها، وحاجاتها النفسية، وعلى عاداتها وعواطفها واتجاهاتها فتصير نفساً هادئة، يشيع فيهلا سلام سمائى.
كما أن الخطيئة تدمر الجسد، وهذا آمر معروف فالنجاسة لها أمراضها الخطيرة، وأخطرها الإيدز الذى يحطم جهاز المناعة، والكالاميديا التى تصيب الأنثى بالعقم، والهريس المؤلم والضار... الخ.وما ينطبق على النجاسة من حيث أضرارها على الصحة الإنسانية - ينطبق على التدخين، الذى يدمر الرئتين والقلب والمعدة والإبصار... على المخدرات التى تتسبب فى ضمور العقل، مع آلام الانسحاب الرهيبة... وعلى الخمر التى تتسبب فى سرطان الكبد وفشل الكلى...
كذلك فالخطيئة تدمر العلاقات الإنسانية، إذ يستحيل على إنسان أن يقبل التعامل والصداقة على إنسان شرير ومنحرف... بينما يكون الإنسان التقى، موضع حب وثقة من جميع الناس.
هكذا تكون التوبة هامة فى حياة الإنسان، وأول مقوماتها الندم على الخطايا، لما تجلبه من أضرار رهيبة على الإنسان... وهكذا يتقدم التائب إلى...
العزم على ترك الخطيئة، فبدون هذا العزم، يتحول التائب إلى إنسان يتمنى دون أن يجاهد، ويتكلم دون أن يفعل. العزم على ترك الخطيئة، يظهر من الجهاد الأمين الذى يبذله الإنسان، كى يتخلص من هذه الأمور السلبية، وهكذا يحرص على أفكاره، وحواسه، ومشاعره، وإرادته، وسلوكياته، مقاوماً كل إغراء أو ضغط، مظهراً للرب نية صادقة فى التوبة والجهاد والحياة المقدسة وهنا نتذكر قول الحكيم: "من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يقر بها ويتركها يرحم" (أم 13:28).
الإيمان بدم المسيح.. فبدون هذا الدم الإلهى، يستحيل أن يخلص إنسان، لأن دم المسيح:
يغفر لنا خطايانا... "لأن لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا" (أف 7:1 - كو 14:1)، "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 22:9).
يطهرنا من كل خطية.. فالغفران يخص الماضى، أما التطهير فيخص الحاضر، حينما ينقينا دم المسيح من خطايانا الخفية والظاهرة... "دم يسوع المسيح أبنه يطهرنا من كل خطية" (1يو 7:1).
يقدسنا للرب... "لأن يسوع لكى يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب" (عب 12:12).. والقداسة هنا تعنى التخصيص، بحيث يكون الإنسان بكل كيانه للرب.
يثبتنا فيه... كما هو مكتوب "من يأكل جسدى ويشرب دمى، يثبت فىّ وانا فيه" (يو 56:6) فالتناول من جسد الرب ودمه، هو وسيلة إلهية قوية للثبوت فى الرب، ولكى يسكن الرب فى داخلنا: فكراً، ووجداناً، وسلوكاً.
يحيينا حياة أبدية.. لأن "من يأكل جسدى ويرب دمى، له حياة أبدية، وأنا أقيمه فى اليوم الأخير" (يو 54:6) فالتناول إذن هو طريق الملكوت والخلود.
الإنسان التائب لا يعتمد على ذراعه البشرى الضعيف، خلواً من القوة الإلهية، والنعمة المخلصة لجميع الناس إنه يجاهد قدر طاقته كى لا يسقط، ولكنه يعتمد على اقتدار الرب فى الخلاص، ومعونة نعمة الله العاملة فيه.
الاعتراف أمام الكاهن... وهذا تتميماً لكلام السيد المسيح لمعلمنا بطرس: "أعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض، يكون مربوطاً فى السموات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً فى السموات" (مت 19:16) وهو نفس ما قاله الرب للتلاميذ: "فكل ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطاً فى السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء" (مت 18:18) ذلك لأن الرب بعد قيامته المجيدة، قال لتلاميذه: "سلام لكم، كما أرسلنى الأب أرسلكم أنا ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت" (يو 21:20-23) وفى الاعتراف، يأخذ التائب - كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث - حِلاً وحلاً... الحل من الخطايا، والحَلّ للمشكلات الروحية التى تعوق نمونا الروحى.
والاعتراف ضرورة كتابية - كما ذكرنا سابقاً - وضرورة عملية، غذ يحتاج الإنسان إلى خبرة أكبر تقوده وترشده، وضرورة نفسية، ففيها تستريح النفس المجهدة من توترات السقوط والضغوط والمشاكل. ذلك كله بفعل روح الله القدوس العامل فى سر التوبة والاعتراف، والقائد لكلٍ من ألب الكاهن والإنسان المعترف..
التوبة - إذن - هى الهدف الأول من الخدمة، لأن الرب قد قال: "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (يو 3:13،5)... ومعلمنا بولس يقول: "إن الله الآن، يأمر جميع الناس، فى كل مكان، أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل" (أع 30:17)... ألم تكن هذه وصية معلمنا بطرس - بالروح القدس - لجميع السامعين فى يوم الخمسين: "توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على أسم يسوع المسيح، لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس؟!" (أع 38:2).
إن النداء الأساسى للخادم، هو نفس نداء المعمدان: "توبوا لأنه قد أقترب منكم ملكوت السموات" (مت 2:3)، وهو نفس ما نادى به بعد ذلك رب المجد وهو يكرز ببشارة الملكوت (مت 23:4،35:9)، موصياً تلاميذه قائلاً: "وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السموات" (مت 7:10)، وكما كان يقول للجموع: "قد كمل الزمان، وأقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 15:1)، أنطلق التلاميذ إلى كل الأرجاء، "وصاروا يكرزون أن يتوبوا" (مر 12:6).
ومن التوبة، يجب أن يتقدم المؤمن إلى الجهاد الروحى.