هذا عن ضرورة المعمودية ولزومها مع الإيمان للخلاص. وفي هذا الخصوص كتب قداسة البابا شنوده الثالث تحت عنوان: { لزوم المعمودية للخلاص} قائلاً: {ولكن الكتاب يعلمنا أن المعمودية لازمة للخلاص للأسباب التالية: قول السيد المسيح: "مَن آمن واعتمد خلص" (مر16:16). ولم يقل مَن آمن فقط، ولكنه جعل المعمودية شروط الخلاص. وذلك لأنها موت مع المسيح وقيامته معه.(رو2:6ـ4)… } (بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص24).
وذكر قداسته اثني عشر سبباً لتأكيد لزوم المعمودية للخلاص من بين هذه الأسباب نذكر بصفة خاصة حديث غبطته في السبب الرابع إذ يقول: {والذي حدث في يوم الخمسين، حدث لشاول الطرسوسي لما آمن. لقد سأل الرب: "ماذا ترى يارب أن أفعل ؟" (أع 6:9). فلم يقل له الرب: مادمت قد آمنت فقد خلصت! بل أرسله إلى حنانيا الدمشقي، الذي قال له "أيها الأخ شاول … لماذا تتوانى؟ قم اعتمد واغسل خطاياك" (أع16:22). وهنا نرى عجباً، إنساناً تقابل مع المسيح شخصياً، وتكلم معه فماً لأذن، وسمع دعوته، وانتخبه الرب إناءً مختاراً، وشاهداً لجميع الناس، ومع ذلك لم يكن قد اغتسل من خطاياه بعد… واحتاج إلى المعمودية لغسل خطاياه} (بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص25). 3- معمودية الأطفال : تكلمنا فيما سبق عن المعمودية والخلاص من جهة مفاعيلها ولزومها، وننتقل إلى نقطة ثالثة أساسية في هذا المجال وهي معموديتهم الأطفال. إذ يعترضون على تعميدهم دون بلوغ سـن الإدراك وتكامل الوعي، وينادون بتأجيل معمودية، ويعتقدون أن المعمودية ليست لها مفاعيل بالنسبة لهم في هذا السـن. والواقع أن المعمودية هي نعمة تسرى إلى الطفل من خلالها بركات الصليب، وإن كانت نعمة الحياة والوجود في هذا العالم أساساً توهب للأطفال دون إكمال إدراكهم ووعيهم، فما الذي يمنع نعمة المعمودية والولادة الروحية من الله، على نفس القياس!. ومن جانب آخر إن كانت لعنة الخطية الأصلية قد سرت إلى الأطفال دون إدراكهم أو وعيهم بالوراثة والولادة الجسدية، أفلا تسرى نعمة الله إليهم بنفس المنطق المقابل. خاصة وأن "الرحمة تفتخر على الحكم" (يع13:2).! وعلاوة على ذلك دعنا نستخلص من الكتاب المقدس بعض الأدلة التي تبرهن على قانونية تعميد الأطفال، ونيلهم نفس البركات التي ينالها الكبار. 1– أبكار الفصح : فجميع أبكار شعب الله المحتمين في البيوت التي رشت أبوابها بدم الحمل، قد نجوا من ضربة الهلاك، وتساو في ذلك الأبكار من الرجال والأطفال. (خر7:12ـ13).2– عبور البحر الأحمر: لقد عبر الشعب كله الكبار والأطفال وكان البحر معمودية لموسى، ترمز إلى المعمودية باسم المسيح كما يقول القديس بولس الرسول: "وجميعهم اجتازوا في البحر، وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1كو1:10،2). 3- الختــان : كان الختان يتم للطفل في اليوم الثامن (تك12:17) والطفل الذي لا يختن "تقطع تلك النفس من شعبها. لأنه نكث عهد الرب" (تك14:17). والختان هو أيضاً رمز للمعمودية كما وضح معلمنا بولس الرسول قائلاً: "وبه أيضاً ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتا في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا." (كو11:2ـ13). والمدهش في الموضوع هو أن الختان كان ختماً لبر الإيمان "وأخذ علامة الختان ختماً لبر الإيمان" (رو11:4). فإن كان الختان يتم للطفل الوليد في يومه الثامن، فأين إيمانه الذي به يحصل على البر، فيعطى ختم البر ؟!. فحيـث أن الختان رمز للمعمودية، كما سبق التوضيح تهب بر المسيح - أي بر الإيمان - فماذا يمنع أن يُعمد الطفل تماماً كما يختن ؟!. 4– يوحنا المعمدان: وامتلاؤه بالروح القدس وهو بعد جنين في بطن أمه صرح الملاك في بشارته لزكريا الكاهن قائلا: "ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو15:1). هل يستطيع أحد أن يحدد عطاء الله ويضعه تحت المقاييس الإلهية. هو يريد أن يهب الأطفال، بل والأجنة نعمته، فمن يقدر أن يعترض؟!. 5 – دعوة السيد المسيح للأولاد: لقد حاول التلاميذ منع الأولاد من الاقتراب من السيد المسيح، ربما لاعتراضهم على عدم اكتمال وعيهم وإدراكهم، ولكن الرب انتهرهم قائلاً: "دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" (مت14:19). فمن يستطيع الآن أن يكرر نفس الفعلة ويمنع الأولاد عن الإقتراب إلى السيد المسيح بالمعمودية. 6 – تعميد بيت ليديا بائعة الأرجوان: يقول الكتاب: "فلما اعتمدت هي وأهل بيتها طلبت قائلة إن كنتم قد حكمتم أنى مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي." (أع15:16). هل استثنى الأولاد من المعمودية؟ 7- تعميد بيت سجان فيلبى: كما يقول الكتاب: "فلما اعتمد هو والذين له أجمعون" (أع33:16) ولعل هذا التعبير "الذين له أجمعون" يوضح عدم استثناء أية فئة ومن بينهم الأطفال. 8- تعميد بيت إستفانوس: يقول معلمنا بولس الرسول "وعمدت أيضاً بيت إستفانوس" (1كو16:1) وينطبق على هذا البيت ما انطبق على بيت ليديا وسجان فيلبى. وعن معمودية الأطفال كتب قداسة البابا شنوده الثالث قائلاً: { لابد أن نعمد الأطفال من أجل خلاصهم لأننا لو تركناهم بدون معمودية وبدون إيمان، فمعنى ذلك هلاكهم، ومَن الذي يقبل على نفسه هلاك كل أطفال العالم}(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص33).
وأكمل قداسته الحديث قائلاً: {وأما من جهة قواعد الإيمان والمعرفة، فنحن نعمده على إيمان الوالدين في أمور عديدة، أمر مألوف في الكتاب المقدس. ومن أمثلته: الختان، وخلاص الأبكار بدم الخروف وخلاص الأطفال بعبور البحر...} (بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص34).
واستطرد قداسته في التوضيح قائلاً: { الكنيسة كانت تعمد الأطفال منذ البداية، من عصر الرسل، كما يتضح من عماد عائلات بأكملها، كباراً وصغاراً، كما قيل في عماد سجان فيلبى: "والذين له أجمعين" (أع33:16) وعماد ليديا بائعة الأرجوان "هي وأهل بيتها" (أع15:16)... ومن غير المعقول أن كل هؤلاء وأمثالهم لم يكن بينهم أطفال } (بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص35).
وكنيستنا القبطية الأرثوذكسية تهتم ليس فقط بطقس تعميد الأطفال، بل تهتم أيضاً بتربيتهم التربية المسيحية، وتلقينهم الإيمان وتنميتهم فيه، عن طريق والديهم وأشابينهم، ومدارس التربية الكنسية، ومنابر الوعظ بالكنيسة، وأباء الاعتراف، والمرشدين الروحيين. وعن هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث: { والطفل يحتاج أن يتربى في الإيمان، داخل الكنيسة، وينمو في هذا الإيمان. فنحن نعمده لنعطيه أيضاً هذه الفرصة، ولا نحرمه من كل وسائط النعمة التي تساعده في الطريق الروحي، وإلاَ نكون كمَن يجنى عليه. كما لا نضع كل أمور الإيمان داخل مقاييس العقلانية } (بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص34).
4- المعمودية واللحظة: من الثابت أن طقس المعمودية يستغرق فترة زمنية ليست بالقليلة. فعلاوة على طقس الصلاة الخاصة بتقديس الماء، هناك طقس جحد الشيطان حيث ينظر المعتمد إلى الغرب ويده اليمنى مرفوعة ويقول ما يأتي (وإن كان طفلاً فليقل عنه أبوه أو أمه أو إشبينه): { أجحدك أيها الشيطان. وكل أعمالك النجسة، وكل جنودك الشريرة، وكل شياطينك الرديئة، وكل قوتك، وكل عبادتك المرذولة، وكل حيلك الرديئة والمضلة، وكل جيشك، وكل سلطانك وكل بقية نفاقك. أجحدك. أجحدك. أجحدك} (كتاب صلوات الخدمة – ص35).
وهناك أيضاً طقس إقرار الإيمان حيث يستدير المعتمد إلى الشرق ويده مرفوعة إلى فوق ويقول: { أعترف إليك أيها المسيح إلهي، وكل نواميسك المخلَصة، وكل خدمتك المحيية، وكل أعمالك المعطية الحياة . أؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل، وابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، والروح القدس المحي، وقيامة الجسد، والكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية آمين } (كتاب صلوات الخدمة – ص35). ويأتي بعد ذلك طقس التغطيس ثلاث دفعات باسم الآب والابن والروح القدس . من هذا نرى أن طقس المعمودية المقدسة يستغرق بالتأكيد أكثر من لحظة زمنية، بل قل أكثر من ساعة. فحيث أن طقس المعمودية يستغرق أكثر من لحظة. وحيث أن المعمودية لازمة للخلاص حسب قول الرب: "من آمن واعتمد خلص" (مر16:16) إذاً فالخلاص لا يتم في لحظة زمنية خاطفة. وفي هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث: { كيف يمكن للإنسان أن يخلص في لحظة إيمان بدون عماد؟! وإن كان لابد له أن يعتمد، فلا يمكن أن نقول أنه خلص في لحظة. لأن الإيمان والمعمودية لا يتمان في لحظة، وهما لا زمان للخلاص حسب قول الرب: "من آمن واعتمد خلص" (مر16:16)} (بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص26).
وأكمل قداسته قائلاً: { وإن كان لابد للمعتمد من التوبة قبل المعمودية (أع38:2). فمن المحال أن تتم التوبة والإيمان والمعمودية في لحظة} (بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص26،27).
هذه لمحة سريعة عن الخلاص والمعمودية، من حيث لزوم المعمودية، وقانونية تعميد الأطفال، واستغراق الخلاص بالمعمودية والإيمان والتوبة أكثر من لحظة.